الخيانة الأمريكية في سوريا: كيف تعزز الولايات المتحدة بقاء «الأسد»؟

الجمعة 8 يوليو 2016 01:07 ص

من المحتمل أن العالم كله الآن قد سمع بالشراكة المقترحة من قبل إدارة «أوباما» مع حكومة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بهدف تعميق التعاون العسكري بين البلدين ضد بعض المجموعات الإرهابية في مقابل قيام روسيا بالضغط على نظام «الأسد» لوقف قصف المعارضين الذين تدعمهم الولايات المتحدة وفقا للصيغة التي أوردتها صحيفة «واشنطن بوست» في 30 يونيو/حزيران.

يكمن جوهر الصفقة في رفع درجة التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مستوى «لم يسبق له مثيل». وفي المقابل، فإن الروس سوف يوافقون على الضغط على «نظام الأسد» لوقف قصف بعض الجماعات المتمردة السورية التي لا تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية. وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة لن تقوم بإعطاء روسيا معلومات حول المواقع الدقيقة لهذه الجماعات وفقا للمقترح، ولكنها سوف تقوم بتحديد بعض المناطق الجغرافية التي من شأنها أن تكون بمأمن عن «هجمات الأسد».

دعونا نرى أولا كيف يقوم دعاة الصفقة بالدفاع عنها والدعاية لتأثيرها.

المدافع التقليدي عن الصفقة من المنتظر أن يقول ما يلي:

تريد الولايات المتحدة من «الأسد» احترام اتفاق وقف إطلاق النار، كما أنها تريد أيضا القضاء على تهديد تنظيم القاعدة. حل الأزمة السورية سوف يتطلب وقتا. لذا دعونا في الوقت الراهن نركز على الحد من العنف ومواجهة «الإرهاب الجهادي« عبر التنسيق مع كل الذين يشاركوننا في هذه الأهداف. وعلاوة على ذلك، فإنه من أجل تحريك أي حل سياسي للأمام، فإنه لا بد من ضمان تعاون روسيا.

في كل هذه التأكيدات، نجد إشارات واضحة جدا على انتقال الإدارة من فشل إلى الآخر، بل وإصرار على تحميل الإدارة المقبلة أيضا عبء هذا الفشل الذريع.

طبيعة أي اتفاق تعكس الوزن النسبي للموقعين عليه. النظر في شكل وطريقة صياغة أي اتفاق من المرجح أن يخبرنا حول طبيعة النفوذ الذي يمتلكه كل طرف. في الصفقات السابقة، وبالتحديد في الترتيبات السابقة لوقف إطلاق النار، أخبرنا المسؤولون في البيت الأبيض ووزارة الخارجية أن «الأسد» والروس قد انتهكوا بشكل متكرر التعهدات بعدم قصف الجماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة.

دعونا، علاوة على ذلك، نفترض أن الروس والنظام السوري سوف ينتهكون الاتفاق الجديد. ماذا ستفعل الإدارة الأمريكية؟ حسنا: لم يفعل الرئيس «أوباما» شيئا يذكر عندما تم انتهاك اتفاق وقف الأعمال العدائية. هل ينبغي أن نفترض بعد ذلك أن الهدف الحقيقي للصفقة سوف يتجاوز التوقع الساذج أنه سوف يتم احترامها هذه المرة؟

الرئيس «أوباما» يبدو أنه يود إجبار خلفه على البقاء ضمن نفس دائرة الفشل الاستراتيجي الذي ميز سياسات واشنطن في الشرق الأوسط منذ اندلاع ما يعرف بـ«الربيع العربي». ليس ذلك فحسب، فإن الرئيس الأمريكي من جانب آخر يساعد «الأسد» على مواصلة سياساته الدموية والقمعية ويتخلى عن القيم الأمريكية بحجة الدفاع عنها ويقدم يد العون للعبة بوتين العالمية وفق النسق التالي:

غالبا ما كان يهدف «الأسد» إلى تحويل الصراع إلى صورة بيضاء/أسود يظهر فيها بصورة المخلص الذي يقاتل ضد الأشرار من جبهة النصرة و«الدولة الإسلامية». وقد قاتلت جبهة النصرة ضد «الدولة الإسلامية». وعلى مدار أكثر من عام ونصف مضت، ضغطت بعض الدول العربية على الجبهة لمنعها من ممارسة أي نشاط خارج سوريا وقد التزمت بذلك. وهي تعمل مع المجموعات المعارضة الأخرى (غير الإرهابية) ضد النظام وضد «الدولة الإسلامية» في وقت واحد. ويبدو استخدام سلاح الجو لقصف جبهة النصرة دون سائر المجموعات الأخرى هو أمر شبه مستحيل.

دعونا نتخيل موقف مقاتل المعارضة السورية النموذجية التي تلتزم بمرجعيتها الإسلامية وتحارب التطرف الديني وتحلم ببلد خال من القهر والخوف. هو يجد جبهة النصرة تساعده في معركته ضد «الأسد» في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات الأمريكية بقصفه؟ ماذا عليه أن يفعل؟ أن يحارب ضد جبهة النصرة أم ضد الولايات المتحدة؟ لقد حول الرئيس «أوباما» الولايات المتحدة إلى عدو للشعب السوري وحلمه في الحرية.

وعلاوة على ذلك، فإن المكافأة على هذا التراجع المخزي سوف تكون هي المزيد من الفشل. والسبب في ذلك هو أنه لا يمكن لسلاح الجو تسوية هذه النزاعات بمفرده. لم يكن من الممكن إجبار «الدولة الإسلامية» على التراجع دون مقاومة طويلة من بقية جماعات المعارضة السورية لتوسعها في السنوات الثلاث الماضية. وقد قتلت «الدولة الإسلامية» من مقاتلي المعارضة أكثر مما قتلت من مقاتلي «الأسد». وبالإضافة إلى المعركة الطويلة التي خاضتها المعارضة في مواجهة «الدولة الإسلامية»، فإن قوات سوريا الديمقراطية حاربت ببسالة ضد التنظيم. في كلتا الحالتين كانت الغارات الجوية تلعب دورا ثانويا، رغم أهميته، في هذه الحرب.

الاتفاق الجديد، الذي لا يبدو جديدا كما جعلته صحيفة «واشنطن بوست» يبدو، سوف يؤدي في الحقيقة إلى طمس باقي الخطوط الفاصلة بين جبهة النصرة وبقية المعارضة السورية. هذه هي أفضل خدمة مجانية يتم تقديمها لجبهة النصرة.

ثم نأتي إلى معضلة استهداف المدنيين. كيف يمكن للطائرات في حلب أو إدلب أن تفرق بين المدنيين، أو جبهة النصرة أو الجيش السوري الحر أو أي مجموعة أخرى؟ وهل فكر الاستراتيجيون في الكريملين حول الطريقة التي سوف تنظر بها جماعات المعارضة وعموم السوريين لأولئك الذين يتعاونون مع الكريملين و«الأسد» والبيت الأبيض؟ عبر إدخال الولايات المتحدة كعضو في التحالف الذي يقوده «بوتين» في سوريا، فإن «أوباما» يكون قد تجاوز كل خطوط الإذلال وأسهم في إعادة رسم خريطة دور الولايات المتحدة في سوريا. كل هذا تحت ذريعة محاربة القاعدة؟ تخفي هذه الذريعة فوضى عارمة في دوائر صنع السياسة في واشنطن. تتطلب محاربة جبهة النصرة تباع نهج متطور تقوم خلاله الجبهة بتوسيع الفجوة بين الجماعة وبيئتها بدلا من تضييقها.

وعلاوة على ذلك، إنه يمكننا أن نطلق على «بوتين» الآن صانع القرارات في واشنطن. أجبر بوتين الولايات المتحدة على أن تتبعه في خطته: جميع جماعات المعارضة إرهابية وعلى «الأسد» أن يبقى. في اللحظة التي تقوم بها طائرات الولايات المتحدة باستهداف جبهة النصرة، بما يعني استهداف الجماعات الأخرى بالتبعية، فإنها تهدد بتحويل كرة الغضب المعارضة تجاه الحلفاء الأربعة: روسيا، والولايات المتحدة، والأسد، وإيران.

النهج الصحيح للتعامل مع الأمر قد يكون أكثر تعقيدا من أن يفهمه «بن رودس». يجب على الولايات المتحدة إنشاء وتوسيع المنطقة الوسطى، وهي المنطقة التي لا تحوي أيا من الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة، وبالتأكيد فإنها لا تحوي نظام الأسد. هذا النهج يتطلب الصبر، والرؤية الاستراتيجية، والخطوات المحسوبة. بدلا من ذلك فإن «أوباما» قد اتخذ خطة نهائية لإجبار جميع أجزاء من المعارضة على الوقوف جنبا إلى جنب بغض النظر عن موقفهم من التطرف.

إن التحالف الرباعي المكون من الولايات المتحدة وروسيا وإيران و«نظام الأسد» سوف يفقد سوريا في نهاية المطاف. ليس لدينا أي شك حول هذا الموضوع. كما أنه ليس لدينا أي شك في أن سنوات رئاسة «أوباما» سوف توصم بخيانة قضية الحرية في سوريا حيث تمت معاقبة الناس لأنهم ثاروا ضد دكتاتور بطريقة سلمية، قبل أن ينتهي بهم المطاف قتلى على يد نظامهم والروس والإيرانيين، والآن أيضا الولايات المتحدة.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا الولايات المتحدة أوباما بشار الأسد جبهة النصرة المعارضة السورية أمريكا

الخارجية الأمريكية: نبحث عرضا سعوديا بإرسال قوات إلى سوريا

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

القضاء الأمريكي يلاحق «بشار» و«ماهر الأسد» بجريمة قتل صحفية

«الجبير» يبحث في الولايات المتحدة تطورات الأوضاع بالشرق الأوسط

‏بنود وثيقة التعاون العسكري الروسي الأمريكي في سوريا

واشنطن وموسكو والرياض وطهران: الصراع القادم في الشرق الأوسط

من سيدفع الثمن؟ أسئلة بلا إجابات حول الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا

سوريا والعراق وإيران وتركيا: كيف يتراجع النفوذ الأمريكي لصالح التمدد الروسي؟