مصر.. صراع وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة يصل إلى واشنطن

الاثنين 13 مارس 2017 12:03 م

أثارت تقارير إعلامية نشرت مؤخرا عن قيام جهاز المخابرات العامة المصرية بالتعاقد مع اثنين من شركات العلاقات العامة الأمريكية في واشنطن للضغط من أجل تحسين صورة النظام المصري الكثير من التكهنات والتساؤلات.

وتُظهر البيانات المنشورة على موقع وزارة العدل الأمريكية، بتاريخ 28 يناير/كانون ثاني الماضي، التي اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس للأنباء، أن جهاز المخابرات العامة المصرية قد عيَّن شركتي علاقات عامة أمريكيتين وهما ويبر شاندويك، وكاسيدي وشركاه لأداء هذه المهمة، وفقا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وتبلغ قيمة العقد المبرم مع شركة ويبر شاندويك ما لا يقل عن 1.2 مليون دولار سنوياً، مُقسطة إلى 300 ألف دولار كل ثلاثة أشهر.

فيما تبلغ قيمة عقد شركة كاسيدي وشركاه 600 ألف دولار سنوياً، يدفع منها 150 ألف دولار كل ثلاثة أشهر.

ونشرت وثائق التسجيل الخاصة بعقود أجهزة الاستخبارات المصرية علانية امتثالاً لقانون تسجيل أجهزة المخابرات الأجنبية الأمريكي (A) الصادر عام 1938.

ويأتي الكشف عن التعاقد في إطار قانون أمريكي يلزم الشركات بالإعلان عن تسجيل التعاقدات مع العملاء الأجانب والمعروف اختصارا باسم فارا (FARA).

ويظهر التعاقد أن الشركتين ستساعدان الحكومة المصرية في الترويج للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ولدور مصر في إدارة المخاطر الإقليمية وتسليط الضوء على التطورات الاقتصادية في البلاد وعرض جهودها فيما يخص المجتمع المدني.

ووفقا لقانون فارا الذي ينظم عمل شركات الضغط (اللوبي) مع الحكومات الأجنبية، يتطلب من جميع الشركات التي تنفذ هذه الأنشطة داخل الولايات المتحدة إرسال نسخة من العقد المالي إلى وزارة العدل الأمريكية، وكذلك سجل موثق لكافة أنشطتها واتصالتها سواء كانت سياسية أو شبه سياسية.

غير مسبوق وغير تقليدي

لكن الشيء غير المألوف هو أن هذه هي المرة الأولى أن تعلن مثل هذه التعاقدات للأجهزة الأمنية القوية في البلاد على الملأ وأيضا خطوة نادرة من قبل جهاز المخابرات.

كما أنه خطوة غير مسبوقة للحكومة المصرية، التي توفد بشكل تقليدي السفارة المصرية في واشنطن لوضع اللمسات الأخيرة لتلك العقود، التي تكون موقعة من قبل السفير المصري، الذي يعد ممثلا للحكومة المصرية لهذه الوثائق.

وغير التقليدي أيضا أن الوقت الذي تم إبرام العقود فيه موقعة من قبل اللواء ناصر فهمي، نيابةً عن اللواء خالد فوزي، مدير المخابرات العامة المصرية.

كما أن هناك أيضا عدة ملاحظات: أولا، بشأن توقيت العقد، الذي وقع في 18 يناير/كانون ثان الماضي، أي قبل يومين فقط من تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه.

وهذا يعني أن عملية البحث، وتحديد الشركتين، والتفاوض معهما قد تم عندما فاز ترامب في الانتخابات في 8 نوفمبر/تشرين ثان من العام الماضي أو ربما في وقت سابق.

أيضا، فإنه أيضا قد يكون مرتبطا بالزيارة المرتقبة لعبد الفتاح السيسي إلى واشنطن.

الأمر الثاني هو أن التعاقد مع الشركتين جاء بعد عقد آخر عقدته الحكومة المصرية ومثلتها السفارة المصرية في واشنطن مع مجموعة "غلوفر بارك" لتوظيف حملات الضغط في واشنطن لسنواتٍ عديدةٍ.

ويعود توقيع هذا العقد إلى أكتوبر/تشرين أول 2013 وتكلف 3 مليون دولار والذي دفعتهم الإمارات التي تؤيد السيسي بشكل وثيق

وقد تشير الخطوة الأخيرة للمخابرات العامة إلى وجود منافسة بين وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات، والتي تشعر بالإحباط من أداء موظفي الدولة وعدم قدرتهم على الترويج لسياسات الحكومة المصرية لدى الحكومات والمستثمرين الأجانب.

وفي هذا السياق يوجد 3 تساؤلات:

الأول: هل ينهي العقدان الجديدان اللوبي السابق، الذي كان يمثله غلوفر بارك، القريب من الديمقراطيين، وبالتالي، فإن التعاون معها لن يكون مثمرا بالنظر إلى أن الجمهوريين أصبحوا المتحكم في البيت الأبيض والكونغرس.

الأمر الثاني: هل كان هناك تقييم سلبي من الجانب المصري (أو الإمارات) بشأن فعالية مجموعة غلوفر بارك في التأثير على صانع القرار السياسي في الولايات المتحدة؟

أما الثالث فهل مصر تعتقد أن زيادة عدد الشركات المتعاونة بالتوازي مع الحكومة المصرية في واشنطن سيؤدي لمزيد من الجهود والضغوط المصرية في الولايات المتحدة؟

الملاحظة الثالثة هي الأهم لأنها مرتبطة بالكيان الذي وضع اللمسات الأخيرة على العقد، وهو جهاز المخابرات العامة، حيث إنها لأول مرة الذي يتم الكشف عن معلومات تخص الجهازي الأمني القوي في البلاد.

وفي هذا السياق يوجد سيناريوهان:

الأول أن جهاز المخابرات العامة المصرية لم يكن على علم بالقوانين والأعراف الأمريكية التي تنص على نشر هذه العقود والتفاصيل بشكل علني.

وفقا لذلك، فإن نشر هذه الوثائق قد يشكل مفاجأة غير سارة لجهاز المخابرات الذي لم يخطط لذلك أو يضعه في الاعتبار.

ثانيا: يعرف المسؤولون بجهاز المخابرات لوائح قانون fara  لكنها لم تهتم بنشر تفاصيل العقود لإرسال رسالة إلى السيسي أنها قوية في واشنطن وتسلط الضوء على ضعف وزارة الخارجية المصرية في تنفيذ أعمالها مع حليفتها مصر الأكثر أهمية.

ووفقا لهذه الفرضية، هل ستقوم الشركتان أيضا بمساعدة الدبلوماسيين المصريين في واشنطن، والتنسيق معهم، وإرسال لهم تقارير دورية منتظمة وتقديم النصح والمشورة ومشاورات أو أنهما (اثنين من شركات العلاقات العامة) سيكونا فقط في اتصال مع المخابرات العامة؟

والملاحظة الأخيرة تلقي بظلالها على أمر مهم وهي حاجة النظام المصري لاثنين من أكبر شركات العلاقات العامة، خصوصا في الوقت الذي يدعو عبد الفتاح السيسي المصريين لتحمل الأوقات الصعبة وتدابير التقشف بسبب المشاكل الاقتصادية التي ضربت البلد.

في السياق نفسه، لماذا يتحمل النظام المزيد من التكاليف على الرغم من ميل ترامب لتقديم الدعم للحكومات الاستبدادية، بما في ذلك مصر؟

وكان السيسي واحد من قادة العالم القلائل الذين طلب ترامب لقاءهم عندما كان مرشحا للرئاسة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

وعلاوة على ذلك، كان السيسي من أول زعماء العالم الذين هنأوا ترامب على فوزه.

في نفس السياق، كان سامح شكري أول مسؤول عربي يلتقي مسؤول أمريكي منتخب في الإدارة الجديدة وهو لقاء دل على أن العلاقات ستكون دافئة بين البلدين.

ووفقا لذلك، فمن المرجح أن تتخذ إدارة ترامب خطوات لصالح نظام السيسي حيث إنه لهما العديد من الآراء المشتركة.

ومن المعروف أن ترامب يعارض محاولات التغيير في الشرق الأوسط المعروفة باسم الربيع العربي، ويميل إلى دعم الاستقرار، وضد أي تغييرات جذرية في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر ترامب الحرب على الإرهاب أولوية قصوى للسياسة الخارجية الأمريكية وهو أمر يتوافق عليها الزعيمان.

في هذا السياق، فإن وضع الصيغة النهائية لهذين العقدين مع جهاز المخابرات العامة مباشرة وسط مؤشرات على علاقات أفضل بين مصر وواشنطن يثير تساؤلات حول الصراع المحتمل بين جهاز المخابرات ووزارة الخارجية، وهل هي قوة صراع لإرضاء الرئاسة؟

منافسة سياسية

وكتب الباحث والناشط الموريتاني الأمريكي ناصر ودادي، على موقع تويتر حول صفقات المخابرات المصرية مع شركات العلاقات العامة، قائلاً: "يتعلَّق الأمر بمنافسةٍ سياسيةٍ داخليةٍ بين جهاز المخابرات ووزارة الخارجية. ويُعد تدخُّل المخابرات بنفسها خطوةً متأخرةً لجذب المستثمرين وطمأنة الخارج، وهي مهمات فشلت وزارة الخارجية في إنجازها. وأجهزة المخابرات تقوم بدور وزارة موازية للشؤون الاقتصادية والخارجية".

بينما رأى آخرون جهود الضغط التي تسعى المخابرات المصرية إلى توظيفها بأنها مؤشرٌ على تشرذم قوات الأمن المصرية، ومحاولةٌ من قِبَل عملاء المخابرات المصرية لاستغلال واشنطن لكسب أفضلية على جنود ورجال شرطة منافسين لهم.

كما يقول الباحث في العلوم السياسية، تيموثي قلدس، بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، لموقع باز فيد: "أشعر بالفضول لرؤية ما إذا كانت جهود حملات الضغط ستركز على تحسين سمعة جهاز المخابرات العامة في مقابل سمعة الدولة المصرية. إن عمل العديد من المؤسسات من أجل تحسين سمعتها الشخصية أمر لافت. وتوزِّع وزارة الداخلية، أو الجيش، أو جهاز المخابرات العامة المساعدات الغذائية بأنفسهم بدلاً من توزيعها باسم الدولة المصرية. إن قدرتهم على الوصول إلى إدارة ترامب قد تزيد من قوتهم في مواجهة المؤسسات الأخرى في الدولة".

فيما يرى المحلِّل مختار عوض، بجامعة جورج واشنطن الأمريكية أن الحكومة المصرية تعتقد أن علاقتها بالولايات المتحدة قد تدهورت بسبب العلاقات العامة السيئة وعدم قدرتها على نشر روايتها عن الأحداث". وأضاف: "إنهم ينفقون المزيد من الأموال لدعم هذا التوجه ويبدو أن هذه السياسات آخذة في التوسّع".

وأدرجت وزارة الخارجية الأمريكية مصر ضمن تقريرها السنوي عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الأسبوع الماضي.

وتقول مصر إنها تواجه خطراً إرهابياً حقيقياً، وإنه لا يمكن الحكم عليها وفقاً للمعايير الغربية، غير أنها تؤكد أن السائحين الأجانب آمنون في البلاد.

وذكر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية أن "الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، والعجز عن حماية حقوق الأفراد، وقمع الحريات المدنية تعد من أهم مشكلات ملف حقوق الإنسان في مصر".

وأضاف التقرير أن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المصرية تشمل "الاختفاء القسري، وعمليات القتل غير القانونية والتعذيب".

ولا زالت مصر تحاول التعافي اقتصادياً بعد ثورة الربيع العربي في عام 2011، والتي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حكم البلاد فترةً طويلة، وتلى ذلك انقلاب الجيش على الرئيس ذي الخلفية الإسلامية المُنتَخَب في انتخاباتٍ حرة محمد مرسي. وتعتمد البلاد على القروض الأجنبية والمساعدات لتحقيق هذا التعافي.

  كلمات مفتاحية

المصر المخابرات الخارجية أمريكا السيسي