«رويترز»: الإطاحة بـ«بن نايف» تمت عبر خطة «المورفين»

الأربعاء 19 يوليو 2017 08:07 ص

«أريدك أن تتنحى، لأنك لم تستمع للنصيحة بأن تتلقى العلاج من إدمانك الذي يؤثر بصورة خطيرة على قراراتك».

هكذا تحدث الملك «سلمان بن عبد العزيز»، منفردا، لولي عهده السابق «محمد بن نايف»، الذي استدعي، يوم الثلاثاء، 21 يونيو/ حزيران الماضي، عبر اتصال هاتفي، للقاء الملك في الطابق الرابع من القصر الملكي في مكة.

الرواية الجديدة، نفاها مسؤول سعودي كبير، اليوم الأربعاء، في بيان تلقته «رويترز»، قائلا إن «القصة الواردة هنا محض خيال ترقى إلى قصص أفلام هوليوود»، على حد تعبيره.

وقال المسؤول السعودي، الذي طلب عدم كشف هويته، إن «محمد بن نايف أُعفي من منصبه لاعتبارات المصلحة الوطنية ولم يتعرض لأي ضغط أو عدم احترام»، مضيفا أن أسباب الإعفاء «سرية».

لكن التفاصيل الجديدة التي نشرتها «رويترز» وتتطابق مع الرواية التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، اليوم، بشأن الاجتماع الاستثنائي بين الملك وولي عهده، تذهب إلى التأكيد على حدوث «انقلاب قصر»، أعاد تشكيل القيادة في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم(طالع المزيد).

مصدر سياسي سعودي مقرب من «بن نايف»، وصف تلك اللحظات بـ«الصدمة»، قائلا: «كانت صدمة لمحمد بن نايف. كان انقلابا. لم يكن مستعدا».

ورفض مسؤولو القصر الرد على الأسئلة المفصلة بشأن مسألة إدمان «محمد بن نايف»، لكن مصادر مطلعة أفادت بأن الملك كان عازما على تصعيد ابنه لولاية العرش واستغل مشكلة «بن نايف» مع الإدمان للإطاحة به.

ثغرة «المورفين»

ويبدو أن سيناريو الانقلاب أعد بدهاء منقطع النظير، بداية من ايجاد ثغرة قوية تزلزل وضع «بن نايف»، كولي للعهد، وتطعن في الظهر شخصية تعد الأقوى في الجهاز الأمني بالمملكة على مدى العقدين الماضيين، باعتباره «غير لائق» صحيا ليكون وريثا للعرش، وانتهاء بإخراج مشهد مبايعة الأمير «محمد بن سلمان» وليا للعهد.

ووفق مصادر سعودية وعربية، منها مصادر مقربة من «محمد بن نايف»، فإن الأخير كانت لديه مشكلات صحية زادت بعد محاولة مهاجم من «تنظيم القاعدة» تفجير نفسه أمامه في قصره عام 2009.

مصدر عربي له علاقات بالسعودية قدم هو الآخر، رواية مماثلة عن الاجتماع الذي طالب فيه الملك «سلمان»، الأمير «محمد بن نايف» بالتنحي بسبب إدمانه المزعوم للعقاقير المسكنة.

تقول المصادر، إن «هناك شظية مستقرة في جسد محمد بن نايف لم يتسن إخراجها وإنه يعتمد على عقاقير مثل المورفين لتخفيف الألم».

وعولج «بن نايف» في مستشفيات في سويسرا ثلاث مرات في السنوات القليلة الماضية، لهذا الغرض، وفق رواية المصدر الذي لم يتسن لـ«رويترز» التأكد منها على نحو مستقل.

يقول «بروس ريدل»، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومدير مشروع الاستخبارات في مؤسسة بروكينغز: «تقول الأدلة التي شاهدتها أنه أصيب بجروحٍ أكبر في محاولة الاغتيال مما تم الاعتراف به، وأنه قد اعتمد على الأدوية المسكنة تماما، ما جعله مدمنا عليها. وأصبحت أموره تزداد سوءا تدريجيا»، بحسب ما نقلته «نيويورك تايمز».

مادة «المورفين» يبدو أنها كانت مداد الحبر الذي كتبت به الرسالة التي صاغها مستشارو «محمد بن سلمان»، ومفادها أن «بن نايف يعاني من مشكلة صحية وهي إدمان العقاقير وأنه جرت محاولات منذ أكثر من عامين لإقناعه بالتماس العلاج لكن دون جدوى».

ونقل المصدر المقرب من «محمد بن نايف»، مقتبسات من الرسالة، تقول إنه «نظرا لهذا الوضع الصحي الخطير تعين إعفاؤه من منصبه وتعيين محمد بن سلمان مكانه».

جرى إطلاع مجلس البيعة، الذي يتألف من كبار أعضاء أسرة آل سعود، على رسالة ممهورة بتوقيع الملك، تحمل فحواها إشارات إلى الوضع الصحي لـ«بن نايف»، الأمر الذي يبرر تنحيته، ويمنح «سلمان» معبرا آمنا لتوريث العريش إلى نجله الأكبر.

لحظة الاستسلام

على عجل، تلي خطاب التنحية عبر الهاتف على أعضاء هيئة البيعة، بينما ظل «محمد بن نايف» معزولا في غرفة طوال الليل، وتم سحب هاتفه المحمول وقطع الاتصال بينه وبين مساعديه، واستبدال حراسه من وحدات القوات الخاصة في وزارة الداخلية.

وأرسل القصر مبعوثين إلى أعضاء هيئة البيعة للحصول على توقيعاتهم. ووقع جميع الأعضاء وعددهم 34 باستثناء ثلاثة ونجحت الخطة.

وسجلت مكالمات أعضاء هيئة البيعة المؤيدين لعزل الأمير «محمد بن نايف» وأذاعها عليه مستشار للديوان الملكي لإظهار شدة القوى المؤيدة لتنحيته، وإثناء ولي العهد البالغ من العمر 57 عاما عن أي رغبة في المقاومة.

ووفقا لما ذكره مصدران سعوديان على صلة بالأسرة الحاكمة، فإن ثلاثة أعضاء فقط بهيئة البيعة عارضوا الإطاحة به هم «أحمد بن عبد العزيز» وزير الداخلية سابقا، و«عبد العزيز بن عبد الله» ممثل أسرة العاهل السعودي الراحل الملك «عبد الله»، والأمير «محمد بن سعد» النائب السابق لأمير الرياض. ولم يتسن الوصول للثلاثة للتعليق.

بحلول الفجر كان الأمير «محمد بن نايف» قد استسلم وأبلغ مستشارا للديوان الملكي بأنه مستعد لمقابلة الملك. كان الاجتماع مقتضبا ووافق «بن نايف» على التنحي وتوقيع وثيقة تفيد بذلك.

«محمد بن نايف» لم يتوقع أن يفقد منصبه لمصلحة «محمد بن سلمان» الذي لم يتجاوز من العمر 32 عاما، ويرى أنه ارتكب عددا من الأخطاء السياسية مثل تعامله مع الصراع في اليمن وإلغائه المزايا المالية للموظفين الحكوميين، وعندما يصبح ملكا فسوف يقود الأمير الشاب مملكة تواجه أوقاتا صعبة تشهد تراجعا في أسعار النفط وحربا في اليمن وتنافسا مع إيران الخصم اللدود وأزمة دبلوماسية كبرى في الخليج.

لحظة الحسم أو النهاية لحبك سيناريو الانقلاب، جاءت حين غادر «بن نايف» مقر إقامة الملك، ففوجئ بالأمير «محمد بن سلمان» في انتظاره، مقبلا عليه، ليقوم باحتضانه وتقبيله، هنا سجلت كاميرات التلفزيون المشهد، وكان هذا هو المقطع الذي أذاعته وسائل الإعلام السعودية والخليجية في الساعات والأيام التالية، لتأمين الغطاء الإعلامي لقرار الملك «سلمان» تعيين ابنه وليا للعهد.

يؤكد المصدر، أن الأمير «محمد بن نايف» لا يزال قيد الإقامة الجبرية ليظل معزولا بعد الإطاحة به ولا يسمح له باستقبال زوار باستثناء أفراد أسرته. وأضاف أنه لا يتلقى اتصالات هاتفية. وفي الأسبوع الأخير لم يسمح له إلا بزيارة والدته المسنة بصحبة الحراس الجدد الذين كلفوا بمرافقته مؤخرا.

وذكر المصدر أن الأمير «محمد بن نايف» يود أن يصطحب أسرته إلى سويسرا أو لندن، لكن الملك «سلمان» وابنه الأمير «محمد» قررا أنه يجب أن يبقى.

وامتنع البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) عن التعليق. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية إن واشنطن كانت تعلم أن الأمير «محمد بن سلمان» هو المفضل لدى الملك لكن ما هو أكثر من هذا يلفه غموض شديد.

وقال مسؤول أمريكي وأحد مستشاري واحد من الأسرة المالكة السعودية، إن «محمد بن نايف» عارض الحظر المفروض على قطر، وهو موقف ربما سرع من عملية الإطاحة به.

وفُرضت الإقامة الجبرية عليه، وعلى الجنرال «عبد العزيز الهويريني» في منزله، وهو أحد رجال الأمن المقربين من «بن نايف»، وكان حاسمًا في العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين في واشنطن.

وتم استبدال «محمد بن نايف» كوزير للداخلية وحل محله ابن شقيقه البالغ من العمر 33 عامًا، الأمير «عبد العزيز بن سعود بن نايف»، الذي كان مستشارا لعمه، والذي يعتقد بأنه مقرب من «محمد بن سلمان».

ويقول بعض المسؤولين الأمريكيين والسعوديين ذوي الصلة أن هناك حالة من السخط داخل الأسرة.

ولم يحضر الملك «سلمان» ولا ابنه اجتماع قمة مجموعة العشرين في «هامبورغ» بألمانيا. ويقول المحللون أن النزاعات الأسرية قد تكون قد أجبرت الرجلين على البقاء في الداخل.

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن نايف محمد بن سلمان ولي العهد الملك سلمان بن عبدالعزيز

«ستراتفور»: التقارير المسربة عن صحة «بن نايف» هدفها التبرير لإقصائه

من الإقامة الجبرية إلى «أمن الدولة».. عاد «الهويريني» لطمأنة واشنطن