المرأة السعودية تعزز حضورها بخطوات ثابتة رغم العقبات

الثلاثاء 21 فبراير 2017 09:02 ص

قبل نحو ثلاثين عاماً، لم يكن من المقبول الحديث عن توطين قيادات نسائية خارج إطار العمل التعليمي، لكنه غدا مقبولاً فيما بعد في بعض القطاعات الصحية، ثم في قطاع الأعمال، وحتى في قطاعات حكومية مهمة.

الأسبوع الماضي، شهد تقلد سيدتان سعوديتان منصبين مرموقين في الملف الاقتصادي بالبلاد، في ظل تمثيل يصل إلى قرابة الثلث في مجلس الشورى «البرلمان»، وفي ظل مشاركة للمرأة العام قبل الماضي في انتخابات البلديات، لأول مرة.

المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية تبقى الأساس في دخول المرأة السعودية مجالات عمل حققت جزالة إبداع مرموق، وأعطى البعض منهن مثالاً يحتذى للأخريات، حتى إن البعض تجاوز حدود الوطن في نجاحه إلى منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي.

يأتي ذلك، في ظل إبداء وزير التربية والتعليم السعودي الدكتور «أحمد العيسي» اهتمام وزارته بالرياضة النسائية، بالتعاون مع الهيئة العامة للرياضة لدعم وتطوير الرياضة الخاصة بالفتيات في الجامعات، وقرب السماح للسيدات بفتح الصالات الرياضية.

ورغم هذا التقدم، لا تزال المرأة السعودية، أسيرة عادات وتقاليد وظروف مجتمعية، منعتها من قيادة السيارة والسفر بدون محرم، وفي ظل رؤية للبعض بأنها «مخلوقة منزلية» لا يتجاوز طموحها جولة في أحد الأسواق؛ وقدرتها مساحة صحن لبعض الأكلات، رغم أن الأولى حق لها، والثانية عليها.

مناصب اقتصادية

فتح ،انتخاب وتعيين ثلاث سعوديات في مناصب اقتصادية، خلال الأسبوع الماضي، باب التقدم الذي أحرزته المرأة السعودية في المجالات العامة.

مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية «تداول»، انتخب الأسبوع الماضي «سارة بنت جماز السحيمي» رئيسا للمجلس، لتكون أول امرأة تولى هذا المنصب منذ تأسيس الشركة عام 2007 بقرار من مجلس الوزراء.

جاء ذلك خلال أول اجتماع عقده مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية في دورته الرابعة، وذلك بمقر الشركة في مدينة الرياض وبحضور جميع أعضائه، وذلك بعد تعيينها بقرار من مجلس الوزراء، في مجلس الإدارة.

وبعد ذلك، بيومين، أعلنت مجموعة «سامبا» المالية السعودية، تعيين «رانيا نشار» رئيساً تنفيذيا للمجموعة، لتكون أول سيدة تشغل منصب رئيس تنفيذي لبنك سعودي على الإطلاق.

واليوم، قالت مصادر إنه تقرر تعيين «لطيفة السبهان» مديراً مالياً للبنك العربي الوطني، فيما لم يعلن البنك عن هذه الخطوة.

يشار إلى أن حجم الاستثمارات المملوكة لسعوديات في المجال التجاري، بلغ نحو 800 مليون دولار، فيما أضحت الشركات النسائية تمثل 4% من إجمالي عدد شركات القطاع الخاص في المملكة.

وتصدرت سيدة الأعمال السعودية «لبنى العليان»، قائمة أقوى السيدات العربيات والتي تضم مائة سيدة، خلال العام العامين 2015 و2016،

المشاركة السياسية

في 2013، سمحت السلطات السعودية للمرأة بالمشاركة في مجلس الشورى، وأعاد الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» تشكيل مجلس الشورى، وأقر تعيين 30 سيدة بنسبة 20% من مقاعد المجلس الذي يضم كذلك 120 عضوا من الرجال.

وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2015، شاركت المرأة السعودية، لأول مرة، في الانتخابات البلدية، ترشحا وانتخابا.

هذه الانتخابات شهدت إدلاء 106 آلاف ناخبة بأصواتهن من أصل 130 ألف ناخبة مسجلة،  أى أن نسبة مشاركة السيدات في العملية الانتخابية قاربت على 82%، فى حين أدلى 600 ألف ناخب بأصواتهم من أصل 1.35 مليون ناخب مسجل أى بنسبة 44%، وهذه النسبة تعد تعبير عن فخر النساء بمشاركتهن في عملية الانتخاب.

ورغم أن اللجنة العليا للانتخابات حظرت اختلاط المرشحات بالناخبين أو نشر صورهن في سبيل الدعاية الانتخابية، إلا أن المرأة فازت بـ20 مقعدا في هذه الانتخابات.

ويصف البعض هذا الإنجاز بالتاريخي، وينسبه إلى الملك الحالي «سلمان بن عبد العزيز».

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أقر الملك «سلمان» تعيين 30 سيدة، في مجلس الشورى الجديد، ليسير على ذات النهج السابق، في التعاطي مع دور المراة في مجلس الشورى.

سوق الأعمال

سوق العمل، كان أحد المجالات التي دخلت فيه المرأة السعودية بقوة، وفي عدة مجالات، خلال السنوات الأخيرة، حتى وزارة العمل فتحت مجالات عمل عدة للسيدات، وتبحث تهيئة البيئة المناسبة لعمل السيدات في مجالات أخرى.

كما كشفت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني السعودية، عن سعيها لرفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30%، مواكبة لـ«رؤية المملكة 2030».

وصارت الوجوه المكشوفة والعباءات الملونة في الرياض، هي جسر للمرأة في السعودية للانضمام أكثر إلى القوى العاملة والمشاركة في الحياة العامة.

ارتفع عدد النساء العاملات بنسبة 50% بين عامي 2010 و 2015.

وفيما تتجه النساء للوظائف في الرياض وجدة، فإن أكثرهن ترتدين العباءات الملونة من الأبيض والأخضر والأرجواني والزهري، والتي كانت تعتبر صادمة قبل خمس سنوات. لقد ولد هذا تحولا في الصناعات المنزلية لعشرات من النساء السعوديات اللواتي يبعن هذه الملابس غير التقليدية، وبعضهن في محلات أنيقة أو حتى عبر الإنترنت.

وفي العام 2012 منحت المحكمة رخصة المحاماة لأول امرأة، قبل أن تنشئ «بيان الزهران»، المحامية في جدة، أول مكتب محاماة تقوده امرأة، أما كليات الحقوق في الجامعات النسائية فقد بدأت في تخريج دفعات جديدة من المحاميات.

ومنذ 2014، سمحت السلطات السعودية بتأنيث محال بيع الملابس النسائية الداخلية وأدوات التجميل، وفساتين السهرة والعرائـــس والعبـــاءات النــسائــيـــة والإكسسوارات، ومحال العطورات النسائية، ومستلزمات رعاية الأمومة، والجلابيات، والأحذية والحقائب، والجوارب والملابس والأقمشة النسائية.

قبل أن تضاف إليهم في أبريل/ نيسان 2016، أربع مهن جديدة، يسمح للمرأة للعمل فيها ليلا، هي العمل في المطابخ، ومحال المنتزهات الترفيهية العائلية، إضافة إلى العمل في المحاسبة في بيع التجزئة، ومستلزمات المحال النسائية، في ظل سعي المملكة لتأنيث وظائف أخرى.

كما أن «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، أبدت رغبتها في استحداث وظائف نسائية ضمن كوادرها.

ووفق تقرير صدر لمجلس الغرف السعودية، فإن المرأة السعودية اقتحمت في السنوات القليلة الماضية مجال المقاولات الذي كان حكراً على الرجال، إذ بلغت نسبة السيدات العاملات بهذا المجال نحو 36.6% من إجمالي عدد سجلات سيدات الأعمال.

وفي أغسطس/ آب الماضي، بدأت المديرية العامة للسجون بإعداد مدربات في المجال العسكري عبر تدريب منسوباتها لهذا الغرض، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إعداد المدربات لمنسوبات السجون.

في الوقت نفسه، قالت وزارة العمل إن منع المرأة من ممارسة نشاط معين في العمل، لا يقتضي منعها من تملك النشاط أو إدارته، كاشفة أن الوزارة تعمل على تهيئة البيئة المناسبة لعمل السيدات بما يتوافق مع خصوصية المرأة ويحفظ لها حقوقها.

يشار إلى أنه صدر أمرا ملكيا بتوظيف المرأة في المصانع، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأنيث وسعودة وظائف مصانع الأدوية العاملة في المملكة والمصانع التي لديها خطوط إنتاج لشغلها بمواطنات بعد حصولهن على التدريب اللازم.

وبات النساء والرجال يعملون جنبا إلى جنب مع بعضهم البعض في عدد من الوزارات، وتم ترك النساء الأجنبيات يكشفن شعرهن دون توبيخ.

الرياضة النسائية

الرياضة النسائية، أحد المجالات التي تتجه إليها المرأة السعودية بقوة، كان أحدثها السماح للنساء بفتح صالات رياضية،  حتى وإن لم تتضمن الرياضات التنافسية ككرة القدم والكائرة والسلة والتنس.

كما أن وزير التربية والتعليم السعودي الدكتور «أحمد العيسي» أبدى اهتمام وزارته بالرياضة النسائية، موضحاً وجود تنسيق مستمر مع الهيئة العامة للرياضة لدعم وتطوير الرياضة الخاصة بالفتيات في الجامعات.

ويتم تداول أمر الرياضة النسائية، على نطاق واسع في المجتمع السعودي عبر الندوات والمقالات بالصحف والمشاركات بمواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، فيما يتمسك المؤيدون أن تكون مزاولة الرياضة بعيداً عن الرجال ولحماية الفتيات في المدارس السعودية من السمنة المنتشرة بينهن.

في المقابل، تتداول أنباء أن الهيئة العامة للرياضة، ستعلن قريبا عن بدء تراخيص الأندية النسائية الرياضية التابعة للقطاع الخاص.

وتأتي التراخيص للأندية النسائية في السعودية في خطوة تلت تعيين الأميرة «ريما بنت بندر بن سلطان» وكيلا لرئيس القسم النسائي في الهيئة العامة للرياضة، في أغسطس/ آب 2016، ومشاركة لاعبات سعوديات في «أولميباد ريو دي جانيرو»، التي أقيمت في أغسطس/آب العام الحالي، و«أولمبياد لندن» في 2012.

وفي العام 2014، سمحت السلطات بدخول النساء إلى الملاعب، مشترطة أن يكون حضورهن عائلياً وليس فردياً، وأن تجهز لهن أماكن منفصلة وعدم الاختلاط مع الرجال، وتخصيص لهن مداخل ومخارج ومواقف سيارات منفصلة.

مجالات أخرى

مجالات وامتيازات أخرى، دخلتها وحصلت عليها المراة السعودية، خلال الشهور والسنوات الأخيرة، لم تكن متاحة في الماضي.

ففي عام 2002، سمح للسعوديات أول مرة باستخراج هوياتهن الشخصية الخاصة، رغم معارضة واسعة، على صورة الهوية، واقترحوا البصمة بديلاً لها، لكن السلطة لم تعّر اهتمام لمطلبهم ولا لاعتصامهم أمام الديوان الملكي، وجعلتها إلزامية عام 2013 على جميع النساء السعوديات.

وفي أغسطس/ آب 2013، صدر أول قانون في تاريخ السعودية يجرم العنف الأسري بهدف حمايتها منه

وفي جامعة الملك عبدالله للعلوم التكنولوجيا خارج جدة، يقوم الطلاب والطالبات بحضور نفس المحاضرات معًا ويختلطون، وعند بناء المباني الإدارية الجديدة يقوم المهندسون المعماريون ببناء دورات مياه الرجال والنساء في نفس الطابق.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سمحت أندية تعليم الموسيقى والفنون في جدة، للفتيات التدريب فيها، شريطة موافقة ولي أمر الفتاة، سواء على «البيانو»، أو «الأورج»، أو «القيثار».

وفي يوليو/ تموز الماضي، أفتى الشيخ «عبدالله المنيع» عضو «هيئة كبار العلماء السعودية»، بجواز دخول المرأة في الهيئة كعضو، كما جدد موقفه المبيح للعباءات الملونة إذا كانت ساترة.

وفي الشهر ذاته، وجه الدكتور «وليد الصمعاني» وزير العدل السعودي، كل المحاكم ومأذوني عقود الأنكحة، بأن يقوم المأذون قبل ضبطه لعقد النكاح، بأخذ موافقة المرأة وفق الوجه الشرعي وسماع ذلك بنفسه، مشددا على عدم استنابة غيره في ذلك، تحقيقا للنظام وإبراء للذمة وأداء للواجب وحفظا للحقوق.

وذلك، بعد توجيه مماثل قبل عامين، بتسليم الزوجة نسخة من عقد النكاح ضمانا لمعرفتها بحقوقها وشروط العقد.

والشهر الماضي، سمح لأول مرة منذ 16 عاما، بمهرجان «جائزة الملك عبدالعزيز» لمزاين الإبل بحضور النساء، ضمن عائلات لفعاليات المهرجان.

وخلال الشهر الجاري، افتتحت مصممة الأزياء وسيدة الأعمال «منال الحسن» مالكة العلامة التجارية «MESKI» معملها النسائي الأول بالعاصمة الرياض الذي يضم نخبة من الخياطات السعوديات، وهو الأول من نوعه في العاصمة الرياض باعتباره معملاً نسائيًا خاصًا لتصميم الأزياء والعباءات.

عقبات

بيد أن العادات والتقاليد والموروث الثقافي لنظرة المجتمع إلى المرأة، لا يزال أحد أهم الأسباب التي جعلت من المرأة السعودية متأخرة عن نظيرتها في المجتمعات الأخرى حتى بين النساء العربيات في الحصول على كامل حقوقها.

فالمملكة لا تزال تحظر على المرأة قيادة السيارة، قد سجنت سيدات سعوديات لأنهن كسرن هذا الحظر، وعمدن إلى القيادة بأنفسهن فتم إيقافهن وسجنهن، وآخرهن «لجين الهذلول» و«ميساء العمودي».

كما تحتاج المرأة السعودية، إلى موافقة ولي الأمر (الأب أو الزوج أو الابن) للسفر خارج المملكة، كما أن موافقته ضرورية كي تتمكن من العمل أو الدراسة أو الزواج، وحتى تلقي العلاج الطبي.

وتواجه المرأة السعودية، صعوبات منتظمة عند إجراء معاملات مختلفة من دون أحد أقاربها الذكور، مثل استئجار شقة أو رفع دعاوى قضائية.

إلى جانب القيود الصارمة على ملابس وهيئة المرأة في بعض الأماكن العامة، مما يتسبب في انتقادات من جانب المجتمع الدولي حول وضع المرأة في السعودية.

المرأة السعودية أيضا محرومة من فتح الحساب البنكي أو إجراء أي معاملات مالية من دون حضور ولي أمرها.

ومنذ منتصف العام 2016، يواصل مغردون في تفعيل وسم يحمل عنوان «سعوديات نطالب باسقاط الولاية»، الذي أثار جدلاً واسعاً، ودخل قائمة الوسوم الأكثر تداولا على «تويتر»، أكثر من مرة.

يذكر أن مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ «عبد العزيز آل الشيخ»، هاجم، الدعوات التي انتشرت بكثافة خلال الشهور الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بإسقاط ولاية الرجل عن المرأة السعودية؛ واصفاً تلك الدعوات بأنها «جريمة تستهدف المجتمع السعودي المسلم».

وفي تقرير سابق، ذكرت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، أن نشطاء في مجال حقوق المرأة دعوا الحكومة السعودية بشكل متكرر إلى إلغاء نظام ولاية الرجل، وهو ما وافقت عليه الحكومة في 2009 و2013، بعد المراجعة الدورية الشاملة للسعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وتضيف المنظمة: «وبعد هاتين الجلستين، اتخذت السعودية خطوات محدودة لإصلاح بعض جوانب نظام ولاية الرجل، ولكن التغييرات التي أحدثتها تبقى ناقصة وغير فعالة، وهي لا تكفي. مازال نظام ولاية الرجل إلى اليوم دون تغيير تقريبا».

وتواجه حملة «إسقاط الولاية» المتواصلة بشكلٍ أساسي بيروقراطية الحكومة وأنظمتها، بما يفترضه ذلك من الحاجة إلى إصلاحٍ تشريعيّ عميق لعلاقة المواطِنة بالدولة، ومواجهةٍ مع المؤسسة الدينية التي ستهتمّ بحماية معاييرها ونفوذها التشريعي، ومواجهةٍ سياسية تخصّ مفهوم «وليّ الأمر» بمستوياته المتعددة.

وعلى الأرجح، أن شيئاً عملياً لن يتغيّر في المدى المنظور، قياساً على موقف السياسيّ من الحملات السابقة من أجل مطالب أكثر بساطةً، وبناءً على الخطط الـمُعلنة للمرحلة المقبلة التي لا يبدو أنها معنيةٌ بتنفيذ مثل هذا الإصلاح، ولأنّ تغييراً من هذا النوع عندما يحدث يصاحب تغييراً اجتماعياً وسياسياً أشمل.

ما تحقق للمرأة في السعودية هو إنجاز بالمقارنة للوضع السابق، ولكن يبقى أمامها الكثير حتى تتجاوز تلك العقبات والصعوبات التي تقف أمام طموحات المرأة ليس في السعودية فقط بل في المنطقة العربية حيث تتطلع إلى ما مزيد من المكتسبات التي تحققت.

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المرأة السعودية مناصب القيادة الولاية العمل جوازات مناعية سيدات أعمال عقبات